من السوريات إلى النوبيين .. إعلانات خاصة وراءها حكايات

...

من السوريات إلى النوبيين .. إعلانات خاصة وراءها حكايات

الشروق, 21 Apr 2013

URL: http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=21
يجلس عبدالستار بازرباشى اللاجئ السورى الذى وفد إلى مصر قبل ثلاثة أشهر فقط إلى جوار عزت قاسم ــ مصرى الجنسية ــ صاحب المتجر المجاور فى مساكن عثمان، على أطراف مدينة 6 أكتوبر، يروى كل منهما عن المعاناة التى يتعرض لها الساكن فى هذه المنطقة قرب طريق الواحات، مع غياب الخدمات وانقطاع وسائل المواصلات، فمساكن عثمان ما هى إلا بلوكات سكنية شعبية كانت قد وفرتها الحكومة لبعض المصريين الذين فقدوا منازلهم. يوقف عبدالستار بازرباشى حديثه ثم يسأل: «ماذا تريد أن تعرف تحديدا؟ بالتأكيد جئت تسأل عن زواج السوريات من المصريين هنا!». اختار «بازرباشى» اللجوء إلى مصر قادما من دمشق، وترك عمله الأصلى كمدرس للغة العربية، هربا من طلقات الرصاص التى أصابت زوجته قبل انتقالهما إلى مصر. «اخترنا هذا البلد لأن موقفه واضح من القضية السورية، على عكس دول خليجية تدعم الجيش السورى الحر بالمال فقط، لكنها لا تستقبل لاجئا واحدا من سوريا». هذه الكلمات اللبقة تخفى مرارة ما يواجهه مع أسرته حين يستوقفهم أحد المارة ليسأله: هل تعرف فتاة سورية تقبل الزواج؟



هذا الموقف يتعرض له سوريون آخرون منذ شهور فى هذه المنطقة، بعد تعمد وسائل الإعلام وبعض الحقوقيين التلميح إلى أن هناك سوقا رائجة للزواج من اللاجئات السوريات فى مصر، وقد صنع الإلحاح على هذه الصورة كرة ثلج اتسع قطرها بمرور الوقت، دفعت مواقع الإنترنت إلى الاهتمام بصورة إعلان مغمور يصب فى نفس الفكرة، يقول الاعلان: «لدينا أخوات ملتزمات، ومحجبات، ومنتقبات، وسوريات». مثل هذا الإعلان أثار جدلا حول استغلال أوضاع اللاجئين السوريين فى مصر، وهو ما اضطر محمد عفيفى صاحب الإعلان إلى إغلاق هواتفه لعدة أسابيع، ورفض جميع الاستفسارات الهاتفية حول وجود سوريات لديه. وفى النهاية يعلق قائلا: «لم أكن أعلم أن الإعلان قد وصل إلى الإنترنت، فنحن وسطاء زواج للمحجبات والمنتقبات المصريات بالأساس»، وذكر صاحب الإعلان أن بعض الشباب البائس كان يسمع من شيوخ المساجد عن أسر سورية فى حالة مزرية تطلب الدعم المادى، فما كان من البعض إلا أن فكر فى استغلال الموقف، والسعى إلى الارتباط بفتاة منكسرة ذات مطالب قليلة.. هل نجح فى تزويج فتيات سوريات لمصريين؟ على حد عبارته: «لا لم أفعل ذلك».



فى ظل هذا الهوس تحولت منطقة مثل مساكن عثمان فى مدينة 6 أكتوبر إلى محط أنظار كثيرين، هنا يعود الحديث مرة أخرى إلى عبدالستار بازرباشى فى مساكن عثمان، وينضم إليه الشاب السورى أحمد عبدالواحد الذى علق بعصبية قائلا: «الإعلام صوّر منطقة مساكن عثمان على أنها منطقة مستباحة لراغبى الزواج من السوريات، هذه أوهام، ليس الأمر بتلك البساطة، أنا شاب سورى أعزب، ولم أفكر فى الزواج بهذه الطريقة من ابنة بلدى». يتوقف قليلا ثم يضيف بلهجة مصرية: «إحنا فـ إيه ولا فـ إيه؟!». هذه النبرة لم تمنعه من أن يشير إلى محاولات ما زالت تجرى لاصطياد الفتيات السوريات، ويروى قائلا: «فى المسجد المجاور خرجت بعض النساء بعد صلاة العشاء، وسألننى نفس السؤال المكرر: هل أمامك فتاة سورية يمكننا أن نوفر لها زوجا؟». هذا الموقف يؤكد استمرار وجود من أسماهم بالسماسرة، يظهرون على فترات متباعدة، على عكس آخرين يوجهون هذه الأسئلة بشكل عفوى دون هدف تجارى.



يعلق أحد النشطاء السوريين المقيمين فى مصر ــ تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية ــ بقوله: «أعتقد أن الصخب المفتعل حول استغلال السوريات فى مصر هو نتيجة تصفية حسابات بين تيارات سياسية وتيارات دينية منخرطة فى العمل الخيرى بمصر، البعض مثلا روّج على الإنترنت قبل أشهر أن الشيخ خالد عبدالله دعا إلى زواج السترة بالسوريات، وهو ما نفاه الرجل تماما، أما الضحية الوحيدة فكانت سمعة النساء السوريات، بعد تصويرهن كسلعة تباع وتشترى، على عكس الواقع.. نحن نحافظ على كرامتنا فى مصر مثلما حافظنا عليها فى سوريا».



يختم الناشط السورى تعليقه بإضافة سيناريو آخر عن أن هناك من المحسوبين على نظام بشار الأسد من يتعمد تضخيم فكرة استغلال السوريات وتزويجهن تحت الإكراه، وهدفهم إرهاب السوريين فى الداخل حتى لا يفكروا فى اللجوء إلى دول مجاورة.



الشيخ شعراوى يغلق الهاتف



بعيدا عن هذه السيناريوهات، فإن الأمر يبدو أكثر عفوية فى عدد من المساجد التى ساهم بعض شيوخها فى التوسط بين عائلات سورية وشباب مصرى فى نطاق محدود، هذا ما جرى فى أحد مساجد حى إمبابة الشعبى، حين تقدم شاب وطلب الارتباط بفتاة سورية، وبحكم علاقة شيخ المسجد ببعض أسر اللاجئين فى مصر، فقد توسط لدى أسرة سورية، على أن يقدم الشاب تبرعا ماليا للمسجد، غير أن الزيجة لم تتم، بسبب توقعات العائلة السورية بأن يكفل العريس المصرى هذه الأسرة طوال فترة إقامتهم فى مصر، ورغم هذا الموقف إلا أن أحدا لا يرى شيئا مستهجنا فى تصرف شيخ المسجد، إذ إن الزواج عن طريق المساجد أمر مألوف لدى كثير من الشرائح الملتزمة التى تنتظم فى حضور الشعائر والأنشطة الاجتماعية.



«طوال الأشهر الماضية كانت تأتينى مكالمات من نوعية: هل فيه سوريات للزواج؟ فأغلق سماعة الهاتف فورا». العبارة للشيخ عادل شعراوى رئيس مجلس إدارة مسجد الخلفاء الراشدين بمدينة 6 أكتوبر التابع للجمعية الشرعية. هو نفسه قد اتهمه البعض بأنه متزوج من سوريات بحكم تحكمه فى التبرعات، ما جعله يشعر أنه بصدد حرب شرسة على الجمعية الشرعية فى رعاية اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر، ويعترف بأن هناك أخطاء قد حدثت، مثل التعاون مع شخصيات سورية تبين فيما بعد أنها غير أمينة فى تعاملاتها، لكن هذه الأخطاء صنعت مادة إعلامية استخدمت ضد الجمعية الشرعية فى 6 أكتوبر.



وبحسب أرقام الشيخ عادل شعراوى فإن منطقة مساكن عثمان وحدها تضم 300 أسرة سورية تم تسكينها عن طريق مسجد الخلفاء الراشدين فى شقق سكنية يتكلف إيجارها 200 جنيه مصرى، ويعلق قائلا: «كنا سنغلق باب التبرعات للسوريين بسبب المشكلات المتتالية، سواء حين تعاملنا مع أشخاص غير مسئولين داخل الجالية، أو بسبب التشنيع الإعلامى، لكن هنا أريد أن أوضح أننا لسنا وسطاء زواج، ولسنا مسئولين عن أى صفقة تزويج خارج المسجد بين الأسر التى تفد علينا يوميا طلبا للمساعدات، أثناء جلوسهم أمام المسجد».



كان عدد من مساجد الجمعية الشرعية قد رفع لافتة تنفى إمكانية التوسط لدى أى أسرة سورية فى أمور الزواج، وكذلك سبقهم مسجد الحصرى فى نوفمبر الماضى حين أصدر بيانا ينفى مسئوليته هو الآخر عن تزويج السوريات، وذلك بعد أن استغل البعض أماكن تجمع السوريين أمام المساجد لغرض الوصول إلى فتيات سوريات فى ظروف اقتصادية سيئة، ورغم ذلك استمر الجدل فى الإعلام والأوساط الحقوقية حتى أيام قليلة مضت.



غجر مدينة نصر



ومع كل تلك الضغوط، يحاول أبناء الجالية الدفاع عن أنفسهم بمحاولات مثل ما قام به البعض من تقديم بلاغ إلى السلطات المصرية عن مجموعات ادعت أنها من اللاجئين السوريين، يعيش أفرادها فى خيام بمنطقة مدينة نصر، وينتمون إلى «الغجر»، بعد أن قاموا بالاحتيال على أهل الخير وباعوا التبرعات العينية بمساعدة مصريين. أما آخر الضربات التى مثلت ضغطا نفسيا شديدا على اللاجئين السوريين فقد كانت فى المذكرة التى تقدم بها الاتحاد العالمى للمرأة المصرية بهولندا إلى الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، من أجل وقف زواج السوريات اللاجئات بمصر من الشباب المصرى مقابل 500 جنيه للزوجة، وقالت المذكرة إن هناك نحو 12 ألف حالة زواج خلال العام الماضى تمت بهذه الطريقة، ولم يكشف الاتحاد عن مصادر هذه الأرقام حتى الآن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أرسل المجلس القومى للمرأة مؤخرا، خطابين إلى وزيرى الداخلية والعدل، مطالبا إياهما بالعمل على وقف ظاهرة زواج المصريين من اللاجئات السوريات، وعدم استغلال ظروفهن المعيشية السيئة، مشيرا إلى المذكرة السابقة وما تحمله من أرقام. ويوضح محمد عبدالسلام، المتحدث الإعلامى للمجلس القومى للمرأة، أن موقف المجلس القومى للمرأة كان فقط فى الإشارة إلى الأرقام المذكورة فى مذكرة الاتحاد العالمى للمرأة المصرية بهولندا، وليس تبنى هذه الأرقام كنتائج نهائية، ويضيف قائلا: «كنا قد أتحنا الخط الساخن بمكتب شكاوى المرأة فى المجلس، لتلقى شكاوى اللاجئات السوريات فى حالة إجبارهن على الزواج، وطوال عدة أسابيع مضت لم نتلق شكوى واحدة.. مثل تلك الزيجات فى الأغلب يتم باتفاق، ورضا بين الطرفين». وعلى الرغم من نفى العديد من السوريين أن يكون زواج السوريات من مصريين ظاهرة حقيقية، فإن الدليل الحقيقى على غياب مصداقية هذه الأرقام يبقى فى تفاصيل الأرقام نفسها. إذ تسجل المفوضية العليا لشئون اللاجئين لديها 50 ألف سورى، نصفهم من الإناث، وثلث هؤلاء الإناث فقط هن فى سن الزواج، أى نحو 8 آلاف سورية لسن كلهن عازبات، وعلى الرغم من أن تقديرات الحكومة المصرية لأعداد السوريين فى مصر ترفع الرقم إلى 100 ألف نسمة، فإن رقم 12 ألف حالة زواج سوريات من مصريين حسب تلك المذكرة، لا يوائم نسبة السوريين فى مصر، لذا تثير هذه الأرقام حفيظة الكثيرين، خاصة مع إعلان وزارة العدل مؤخرا عن أن تعداد حالات زواج المصريين من السوريات بشكل رسمى لم يتعد 170 حالة، منذ بداية عام 2012 وحتى 31 مارس 2013. ووسط كل ذلك يخفت صوت اللاجئ السورى، أمام مبالغات إعلامية وحقوقية، تزيد من الأعباء النفسية التى يواجهها، وتزيد من اغترابه فى داخل المجتمع المصرى.